الفرق بين مشكلة البحث وإشكالية البحث العلمي
في عالم البحث العلمي، تعتبر “مشكلة البحث” و “إشكالية البحث العلمي” من المصطلحات الأساسية التي تلعب دورًا محوريًا في تحديد مسار البحث ونجاحه. وعلى الرغم من أنه قد يعتقد البعض أن هذين المصطلحين يشيران إلى نفس المفهوم، إلا أن هناك فروقًا دقيقة ولكن هامة بينهما. يتناول هذا المقال الفرق بين مشكلة البحث وإشكالية البحث العلمي من خلال تحليل كل مفهوم على حدة، وتوضيح كيفية تأثيرهما في البحث العلمي بشكل عام.
أولاً: ما هي “مشكلة البحث”؟
مشكلة البحث هي نقطة الانطلاق في أي دراسة أو بحث علمي. تُعرّف على أنها “السؤال أو الموضوع الذي يحتاج إلى دراسة أو تحقيق من أجل التوصل إلى إجابات أو حلول”. يمكن أن تكون هذه المشكلة نتيجة لملاحظة ظاهرة معينة، أو استفسار علمي، أو حتى نقص في المعرفة حول موضوع معين. وبالتالي، فإن مشكلة البحث هي التحدي الذي يسعى الباحث إلى إيجاد إجابة أو حل له.
في كثير من الأحيان، يتم تحديد مشكلة البحث بناءً على ملاحظات الباحث أو الاستنتاجات التي تم التوصل إليها في الدراسات السابقة. وتُعدُّ مشكلة البحث هي الأساس الذي يبني عليه الباحث هيكل دراسته بأكملها. وبالتالي، فإن تحديد مشكلة البحث بشكل دقيق يُعدُّ من أولى الخطوات في العملية البحثية.
خصائص مشكلة البحث:
-
وضوح الموضوع: يجب أن تكون مشكلة البحث واضحة ومحددة بشكل دقيق، لأن أي غموض أو غموض في صياغة المشكلة يمكن أن يؤدي إلى دراسة غير دقيقة أو غير كاملة.
-
إمكانية الحل: ينبغي أن تكون المشكلة قابلة للحل أو الفحص ضمن الحدود المحددة للدراسة. أي أن الباحث يجب أن يكون قادرًا على جمع البيانات وتحليلها للإجابة على هذه المشكلة.
-
أهمية البحث: لابد أن تكون مشكلة البحث مرتبطة بمسألة علمية أو اجتماعية ذات أهمية كبيرة. يعزز ذلك من فائدة البحث وضرورته في مجال معين.
-
الإطار الزمني: من المهم أن تكون المشكلة قابلة للدراسة ضمن الإطار الزمني المتاح للباحث. فهذا يمكن أن يشمل المدة الزمنية المحددة للمشروع أو القيود الأخرى.
ثانياً: ما هي “إشكالية البحث العلمي”؟
أما إشكالية البحث العلمي، فهي أكثر تعقيدًا مقارنة بمشكلة البحث. يمكننا تعريفها على أنها “مجموعة من الأسئلة والمفاهيم التي تثير الجدل أو تحتاج إلى توضيح أو تفسير ضمن مجال البحث”. إذ تشير إشكالية البحث إلى التحديات أو القضايا النظرية أو المنهجية التي قد تظهر خلال سير عملية البحث. وبالتالي، فإن الإشكالية تمثل التحديات التي يواجهها الباحث عند محاولته تحليل أو تفسير الظاهرة محل الدراسة.
تتمثل إشكالية البحث في الأسئلة الكبرى التي يطرحها الباحث، والتي قد لا تكون لها إجابة واضحة أو نهائية. على عكس مشكلة البحث التي تهدف إلى إيجاد حل، فإن إشكالية البحث تركز على تحديد نطاق الدراسة وفهم أبعاد الظاهرة بشكل عميق.
خصائص إشكالية البحث:
-
العمق المعرفي: تتطلب إشكالية البحث مستوى أعلى من التحليل والتفكير النقدي. إذ لا تقتصر على السؤال المباشر وإنما تشمل مجموعة من الأسئلة التي تتطلب بحثًا معمقًا.
-
الجدل والتباين: غالبًا ما تكون إشكالية البحث محطًّا للجدل أو تختلف الآراء حولها. قد تكون لها تفسيرات متعددة أو تتطلب دراسة لوجهات نظر متنوعة لفهمها بشكل كامل.
-
الأبعاد المتعددة: تختلف إشكالية البحث عن مشكلة البحث في أنها تشمل أبعادًا نظرية ومنهجية تتعلق بكيفية إجراء البحث نفسه، فضلاً عن كونها تتعلق بشكل غير مباشر بالموضوع الذي يتم البحث فيه.
-
التعقيد: قد تكون إشكالية البحث ذات طبيعة معقدة، حيث تطرح العديد من التساؤلات التي تستدعي دراسات متعددة لتفسيرها. وهذا يعني أن الباحث قد لا يحصل على إجابات سريعة أو قاطعة، وإنما يظل البحث في مسار تطوري.
الفرق بين مشكلة البحث وإشكالية البحث العلمي:
-
التعريف:
-
مشكلة البحث هي السؤال أو القضية التي يرغب الباحث في حلها أو الإجابة عنها.
-
إشكالية البحث هي مجموعة من الأسئلة أو القضايا النظرية أو المنهجية التي قد تعترض الباحث وتحتاج إلى تحليل ونقد أعمق.
-
-
الهدف:
-
الهدف من تحديد مشكلة البحث هو الوصول إلى حل أو إجابة واضحة أو نتائج ملموسة.
-
إشكالية البحث تتعلق بالمفاهيم والأطر النظرية التي قد لا تجد لها إجابة نهائية وتستلزم تفكيرًا نقديًا وتحليلًا مستمرًا.
-
-
التركيز:
-
مشكلة البحث تركز على تحقيق إجابة أو حل لمشكلة معينة في نطاق زمني ومكاني محدد.
-
إشكالية البحث تركز على التحديات الفكرية والمنهجية التي يواجهها الباحث أثناء دراسة الموضوع.
-
-
التعقيد:
-
مشكلة البحث غالبًا ما تكون أقل تعقيدًا وأكثر وضوحًا من إشكالية البحث.
-
إشكالية البحث هي مسألة أكثر تعقيدًا وتحتاج إلى مزيد من الاستكشاف والتفسير.
-
-
المكان في البحث العلمي:
-
مشكلة البحث تُعدُّ النقطة التي يبدأ منها الباحث دراسته، وهي تركز على هدف البحث وتوجهه.
-
إشكالية البحث غالبًا ما تظهر خلال سير البحث، حين يواجه الباحث تحديات تتعلق بكيفية فهم أو تفسير البيانات أو الفرضيات.
-
كيفية ارتباط مشكلة البحث بإشكالية البحث:
على الرغم من وجود فروق واضحة بين مشكلة البحث وإشكالية البحث، إلا أن هناك تداخلًا بين المفهومين في سياق البحث العلمي. في كثير من الحالات، قد تبدأ الدراسة بمشكلة بحث واضحة، ولكن مع التقدم في جمع البيانات وتحليلها، قد تظهر إشكاليات تتعلق بالمنهجية أو التفسير العلمي للنتائج. على سبيل المثال، قد يتضح للباحث أثناء سير البحث أن بعض الأسئلة لم يتم الإجابة عنها بشكل كامل أو أن هناك صعوبة في فهم بعض الظواهر المتعلقة بالمشكلة الأصلية.
وبذلك، تصبح إشكالية البحث جزءًا لا يتجزأ من عملية البحث العلمي. يتعين على الباحث أن يكون مرنًا بما يكفي للتعامل مع التحديات التي تطرأ أثناء سير البحث، ومتابعة التفكير النقدي لتجاوز هذه الإشكاليات.
خلاصة:
في النهاية، يمكن القول إن مشكلة البحث هي نقطة انطلاق البحث التي تمثل القضية التي يسعى الباحث للإجابة عليها أو حلها، بينما إشكالية البحث تمثل التحديات الفكرية والمنهجية التي قد يواجهها الباحث أثناء سير البحث. الفهم الصحيح لهذين المفهومين يساعد الباحثين على تنظيم أفكارهم بشكل أفضل، ويوجههم نحو مسار بحثي أكثر وضوحًا وفعالية.
